أشرف على أحد المنتديات الإسلاميَّة، قرَّرتْ إدارة المنتدى أن تمنحني مكافأة، ولكن تردَّدتُ في قبولها؛ لأنَّ النيَّة كانت في البداية تطوُّعًا، ثم تراجَعتُ ورأيتُ أنِّي أحتاج هذه المكافأة؛ لما أبذله من جهدٍ ووقتٍ، فهل أَرجِع وأُعلِمهم بموافقتي بعد رَفضِي لقبولها أوَّلَ مرَّة، لكنَّني متحرِّجة من هذا الأمر، أشيروا عليِّ!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أختي الفاضلة:
حيَّاكِ الله وبيَّاكِ، ومرحبًا بك معنا في موقع "الألوكة"، سائِلِين المولى - عزَّ وجلَّ - أنْ يفتح لك من أبواب الرِّزق الحلال، وأن يُغنِيك عن عِبادِه، ويجعل لك من كلِّ عسرٍ يسرًا.
يُذَكِّرني موقفُك بما حدَث لـ"سقراط" حينما عرَض عليه تلاميذُه أن يعطوه أجرًا مُقابِل تعليمهم فرفَض، ثم عجَز بعد ذلك عن سَدِّ حاجات بيته، والحصول على ما يَكفِي معاشه، فذهَب يَطلُب من حُكَّام أثينا مكافأةً شهريَّة على حِكَمِه ومواعظه التي يستَفِيد منها الجميع، فرفضوا!
تعرَّضَ لهذا الموقف سقراط وهو الفيلسوف الحكيم، فكيف لا نتعرَّض نحن لمثله؟!
• انطَلَق رهطٌ من أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في سفرة سافَرُوها، حتى نزَلُوا بحيٍّ من أحياء العرب، فاستَضافوهم فأبَوْا أن يُضيِّفوهم، فلُدِغ سيِّد ذلك الحي، فسعَوْا له بكلِّ شيءٍ، لا ينفَعُه شيءٌ، فقال بعضُهم: لو أتيتُم هؤلاء الرَّهط الذين قد نزلوا بكم، لعلَّه أن يكون عند بعضهم شيءٌ، فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط، إنَّ سيِّدنا لُدِغَ، فسعينا له بكلِّ شيء، لا ينفعه شيء، فهل عند أحدٍ منكم شيءٌ؟ فقال بعضهم: نعم، والله إنِّي لَراقٍ، ولكن والله لقد استَضفناكم فلم تُضيِّفونا، فما أنا براقٍ لكم حتى تجعَلُوا لنا جُعْلاً، فصالَحُوهم على قطيعٍ من الغنَم، فانطَلَق فجعَل يَتفُل.
ويَقرَأ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، حتى لكأنَّما نُشِطَ من عِقال، فانطَلَق يَمشِي ما به قَلَبَةٌ، قال: فأَوْفَوْهُم جُعْلَهم الذي صالَحُوهم عليه، فقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فنذكُر له الذي كان، فنَنظُر ما يأمرنا، فقَدِمُوا على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فذكَرُوا له، فقال: ((وما يُدرِيك أنها رقية؟ أصبتُم، اقسموا واضرِبُوا لي معكم بسهمٍ))؛ متفق عليه.
• لو لم يرفضوا ضيافتهم ما كان سيمتَنِع هذا الصحابي عن رقية سيِّدهم بدون أجر، لكن هناك بعض الأمور قد تُغيِّر من حال الإنسان وتضطرُّه لفعلِ ما لم يكن يَنوِي فعله، ولا ضيرَ في اجتماع عِدَّة نيَّات في عملٍ واحد؛ قال - تعالى -: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ﴾ [الحج: 28]، قد تغيَّر الحال معك الآن، ولاحَظتِ أنَّك تبذلين من الوقت والجهد ما قد يكون بيتك أو أهلك أَوْلَى به، ولا يعيبك في شيءٍ أنَّك تُرِيدين تحصيلَ النَّفع المادي.
• أقتَرِح عليكِ أولاً إنْ كانت هذه المكافأة قليلة وعابرة - أعني: غير دوريَّة - فلا داعي لإعادة الحديث عنها، وقدَّر الله وما شاء فعل، لكن لا مانع أنْ تُحاوِلي تَوصِيل فكرة قبولك المكافأة إليهم فيما بعدُ، دون إحراجٍ أو شعور بأنهم يتفضَّلون عليك، فهذا عملٌ أدَّيتِه، وقد نصَّ الشرع على وجوب إعطاء صاحب الحقِّ حقَّه، ما لم يتطوَّع.
• أمَّا إن كانت المكافأة مستمرَّة أو شهريَّة، فهناك بعض المقترحات:
1 - حاوِلي توصيلَ ذلك لهم عن طريق إحدى الأخوات أو المُشرِفات الثِّقات؛ كأنْ تُطالِبهم بإعادة العرض عليك، وتُوضِّح أنَّه قد يكون الحال تغيَّر معك لهم، وإحقاقًا للحقِّ فالأَوْلَى إعادةُ العرض عليك.
2 - بإمكانك استِخدامُ أسلوب التَّلمِيح، وتَوضِيح أنَّ العمل في الموقع يَأخُذ من وقتك الشيءَ الكثير، أو تُخبِريهم مَثلاً أنَّك تَبحَثِين عن عملٍ مُناسِب من خلال الإنترنت، وتَطلُبِي سماعَ مُقتَرحاتهم وآرائهم حولَ هذا الأمر، فقد يفتَحُون أمام عينَيْك أبوابًا جديدة، وقد يُكرِّرون العرضَ عليكِ خشيةَ فَقْدِ خبرتك وجهدك معهم.
3 - عند التحدُّث إليهم حولَ عملٍ ترغَبِين في الحصول عليه، عَدِّدي خبراتك وتحدَّثِي عن إيجابيَّاتك بشجاعةٍ وثقةٍ، ولا تستَحِي من طلَب شيءٍ ترَيْنَ أحقيَّتك في الحصول عليه، كما أنَّ التفكير في عواقب الأمر وما قد يحدث نتيجةَ إخبارهم بالأمر، يُعِينك على إعداد الرُّدود المُناسِبة، وإيَّاك والتبريرَ بصورةِ مَن يُدافِع عن نفسه، فهذا يجعَلُكِ في موقف ضَعْفٍ لست بحاجةٍ لوضع نفسك فيه.
4 - أنصحُكِ قُبَيْلَ التلميح أو التصريح بما تودِّين أن تَزيدِي من جهودك بعضَ الشيء، كأنْ تُبيِّني لهم وجُودَك في الموقع أكثر من قبل، وتعمَلِي على طرْح أفكارٍ جديدة تنهَض بمستوى الموقع وتُحسِّن من حالِه، فالجهد الواضح له أثرٌ كبير عليهم، وثِقِي أنَّ الكفاءة الجيِّدة تكون واضحةً جليَّة، لا يستَطِيع عاقلٌ نكرانها.
5 - لا تُضخِّمي الموقف، ولا تُعطِيه أكبرَ من حجمه، وتذكَّري أنَّه لو كتَب الله لكِ رزقًا عن طريق هذا الموقع فسيَصِلُك في الوقت الذي حُدِّد له لا محالة، فقط فكِّري وتحدَّثي بهدوءٍ وثِقَة، واعلَمِي أنَّ إعادةَ فتح الموضوع لا ينقص من قدر جهدك، ولا يُقلِّل من مكانتك، وتوكَّلي على الله، وقدِّمي بين يدي حديثِك باستِغفارٍ ودعاء أن يُوفِّقك الله، ويُجنِّبك الحرج ويُيسِّر لك الأمر.
وفَّقكِ الله، ورزَقَكِ من حيث لا تَدرِين، وجنَّبكِ كلَّ ما يَسُوءك، ويسرُّنا التواصُل معك في أيِّ وقت.
اسم الكاتب: أ. مروة يوسف عاشور
مصدر المقال: موقع الألوكة